تعلمنا التأقلم والتعايش .. (قصة قصيرة)


تعلمنا التأقلم والتعايش

في الغرفة البعيدة المظلمة ، غرفة في منزلنا منزوية تقبع في أخر المنزل ، تأوى كل كراكيب الأسرة ، غرفة الكراكيب كما تطلق عليها أمي، فدائما ما تقول ضعوا تلك الأشياء القديمة في غرفة الكراكيب .
أحب تلك الغرفة كثيراً ،ربما لغرابتها أو لكثرة الأشياء بها ،أجد فيها أثاث قديم يكسوه التراب كان ملكاً لجدودي وانتهى به المطاف في تلك الحجرة المعتمة ، ستائر ،ملائات ،أثاث ،كتب وتحف وتماثيل كثيرة .
أحب كل شئ في هذه الغرفة الغريبة ، أصبحت أجلس فيها بالساعات أبحث بين الأشياء ،أستشعر عبق الماضي وأشم رائحة الذكريات تنبثق من كل ركن فيها .
اتخذت كرسي قديم مجلساً لي ،هذا الكرسي القديم الذي اشتراه جدي الأكبر من أحد المزادات العامة ،يبدو أن الكرسي له تاريخ وقصة مثيرة ،كرسي خشبي ذهبي اللون ملئ بالنقوش والرسومات الغريبة والجميلة بنفس الوقت .
أصبح الكرسي القديم مكاني المفضل ،كنت أجلس متربعة عليه وأتفحص الغرفة وأركانها ،قررت العبث بالكتب القديمة التي جمعها أفراد العائلة على مر السنين ، حتى انتهت إلى غرفة الكراكيب.
وجدت كتباً شيقة عن الجن وعالم اللاورائيات والمخلوقات الخفية المحيطة بنا .
بدأت أنفرد بنفسي في غرفة الكراكيب ، غرفة الكنوز بالنسبة لي ..  أجلس فى مكاني المفضل مجلسي الذهبي وأبدأ القراءة ..
استمتعت كثيراً واكتسبت الكثير من المعلومات عن الجن وبدأت أفكر هل وجودها حقيقي ؟!!
هل بإمكان تلك المخلوقات الخفية الظهور لأي شخص ؟
هل بإمكانها خدمة البشر وتحقيق الأمنيات كما نرى في الأفلام ؟
أم أنها مؤذية ؟!! أم كل ذلك مجرد خرافات !
لا يلاحظ أحد غيابي ولايهمهم ، أهم شئ وجودي وقت الوجبات وصمتي باقي الأوقات ..
من يهتم بطفلة في الرابعة عشر كثيرة الكلام والأسئلة ،اختفائها وانشغالها بأشياء أخرى أفضل .
ذات ليلة أخذت كتاب معي إلى غرفتي وسهرت أقرأ طوال الليل ،رفضت أختي النوم معي بنفس الغرفة طالما هناك ضوء يعيق نومها .
كنت وحدي بالغرفة أقرأ حتى شعرت ببرودة مفاجأة ، نسمات هواء بارد تهب علي لا أعرف من أين أتت ؟!!
نظرت إلى النافذة وجدتها مغلقة ، سحبت علي الغطاء وأكملت القراءة ، فإذا بأصوات تناديني .. ذُهلت من الصوت المنادي ..
ظننت أني تعبت من السهر والقراءة فقررت النوم ، وما أن أطفأت النور وأغلقت عيني حتى انتابتني القشعريرة وشعرت بيد تمتد تلمس وجهي، انتفضت واعتدلت جلوسا ، أضأت نور الغرفة ونظرت حولي لم أجد أحد فأقنعت نفسي أنه مجرد حلم أو هواجس بفعل السهر ..
وعُدت للنوم مرة أخرى ..
مرت ليالي أنام فيها مع أختي  بنفس الغرفة ولا يحدث شئ ، لم أخبر أحد لأنهم لن يصدقوا على أية حال .
لم أكف عن القراءة ، لكني امتنعت عن القراءة في غرفة النوم ، أقرأ فقط في غرفة الكراكيب.
شممت رائحة دخان وكأن شيئا يحترق ، نظرت فجأة فإذا بامرأة تقف أمامي مشتعلة بالنيران .. عجزت عن الصراخ أو حتى الهرب ظللت في مكاني مشلولة الحركة حتى اختفت المرأة.
لم أدر ما أفعل ؟! هل كانت حقيقة أم هلاوس ؟!!
أياً كان فقد قررت بأني لن أعود لتلك الغرفة مرة أخرى ،لكن في الليل بعد أن غط الجميع في النوم جلست وحدي أمام التلفاز ، شعرت بعدد من الأشخاص يمرون خلفي ، لم أشغل بالي في بداية الأمر وتجاهلت ما يحدث ،حتى تكرر ذلك كثيراً .. لم يكن مجرد شعور فقد رأيت ما يشبه الظل ،ظلال في هيئة إنسانية تعبر خلفي.
ذهبت مسرعة إلى غرفتي وقررت الهروب بالنوم.
قررت أن أخبر أمي بكل شئ ، لم تصدقني ولكنها لم تكذبني أيضا ، قالت لى ربما تكون هلوسات لكثرة قرائتي وانشغالي بتلك الأمور ونصحتني بالصلاة وقراءة القرآن بدلا من تلك الكتب.
فكثرة القراءة والتفكير تفتح مجالاً للتهيؤات .. هكذا قالت والدتي.
بدأت الأمور تتحسن بتركي تلك الكتب والابتعاد عن غرفة الكراكيب وما فيها وعدم التفكير في أمور الجن والمخلوقات الخفية.
مرت أسابيع وفي أحد المرات وأنا أساعد أمي في أعمال المطبخ رأيت أشخاص يمرون من ورائي ومن أمامي ،ليسوا أشخاصا بالمعنى الفعلي وانما أقرب مايكون لأشباح ، جسد مثل جسد الإنسان لكن بدون تفاصيل، أشباح شفافة اللون أو سوداء.
أراهم كثيراً وخاصة في المطبخ .. يحومون حولي دون القدوم على فعل شئ يمرون خلفي مسرعين وأحياناً أشعر كأن أحدهم يقف خلفي مباشرة وينحني وينظر إلي ،لا يفعل شيئاً فقط ينظر كأنه يراقبني ويراقب أفعالي، ربما يردي إخافتي لا أكثر.
وفي بعض الأحيان ألمح تلك الأشباح أو الكائنات في طرقة المنزل مابين الغرف خاصة أمام الحمام .
وفي الطرقة خاصة أسمع أشخاصا ينادونني أو يتحدثون ،ولاحظت أيضاً اختفاء بعض الأشياء الخاصة بي كقطع من الملابس وخاصة سوداء اللون ،لا أدرِ لماذا الأسود بالتحديد ..
وفي بعض الأحيان أجد أشياء تختفي وتظهر في أماكن أخرى وأكاد أجزم أنني لم أحركها من مكانها !
أخيراً أخبرت أمي وأبي وكل إخوتي عن تلك الأمور ،وفعلنا ما في وسعنا للتخلص منها ،قراءة القرآن والاستماع للقرآن بصوت مرتفع في أنحاء المنزل واشعال البخور ..
اختفت الأشياء لكنها سرعان ماتعاود الظهور مرة أخرى ، قررنا البحث أكثر فيما يخص تلك الأشباح ،انتهى بنا الأمر للتعرف على العُمَار،عُمَار المنزل أي الجن الذي يعيش معنا في نفس المنزل ،البعض منهم يحب إخافة البشر أو إخفاء الأشياء .
قرأت عن طرد العُمَار بعدة طرُق فاخترت أيسرهم ،يختفون لعدة أيام ثم يعودون ..
كررت طريقة الطرد لكن مع الوقت باتوا يعودون سريعاً ربما بعد ثلاث ليال ،وعندما يعودون يصبحون أكثر غضباً فمنهم من يحاول خنقي في نومي ،ومنهم من يخفي أغراضي فلا تظهر مرة أخرى..
وفي بعض الأحيان أسمع خبطات في غرفتي وخاصة أثناء الليل ..
تعلمنا الكثير عن الجن وعن أنواعهم ،عرفنا من هم العُمَار وتعلمنا ألا نُغضبهم ،وتعلمنا أيضا التأقلم على وجودهم في بيتنا ...
تعلمنا التأقلم والتعايش معهم ...

* بعض أحداث القصة حقيقية حدثت بالفعل.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

دمت لي

أصل شعوب العالم